سورة القصص - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


قوله جلّ ذكره: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ}.
يا موسى.. اخْلَعْ نعليكَ وألقِ عصاك، وأقِمْ عندنا هذه الليلة، فلقد تَعِبْتَ في الطريق- وذلك إن لم يكن في النقل والآثار فهو مما يليق بتلك الحال.
يا موسى.. كيف كُنْتَ في الطريق؟ كيف صَعَّدْتَ وكيف صوَّبت وكيف شرَّقْتَ وكيف غَرَّبْتَ؟ ما كنتَ في الطريق وحدَك يا موسى! أحصَيْنا خُطَاكَ- فقد أحصينا كلَّ شيءٍ عَدَداً. يا موسى.. تعِبْتَ فاسترحْ، وبعد ما جِئْتَ فلا تَبْرَحْ- كذلك العبدُ غداً إذا قطع المسافةَ في القيامةِ، وتبوَّأَ مَنْزِلَه من الجنة؛ فأقوامٌ إذا دخلوها رجعوا إلى منازلهم ثم يوم اللقاء يستحضرون، وآخرون يمضون من الطريق إلى بساط الزلفة، وكذا العبد أو الخادم إذا دَخَلَ بَلَدَ سلطانِه. يبتدئ أولاً بخدمة الشُّدَّةِ العَلِيَّةِ ثم بعدها ينصرف إلى منزله. وكذلك أمرنا؛ إذا أصبحنا كلَّ يوم: ألا نشتغِلَ بشيءٍ حتى نَفْتَتِحَ النهارَ بالخطاب مع الحقِّ قبل أن نخاطِبَ المخلوق، نحضر بساط الخدمة- أي الصلاة- بل نحضر بساط الدنوِّ والقربة، قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} [العلق: 19]: فالمُصَلِّي مُنَاج رَبَّه. ولو عَلِمَ المُصَلِّي مَن يناجي ما التفت؛ أي لم يخرج عن صلاته ولم يلتفت يميناً ولا شمالا في التسليم الذي هو التحليل.
قوله جل ذكره: {فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُ كَأَنَّهَا جَآنٌ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الأَمِنِينَ}.
عندما انقلبت العصا حَيَّةً وَلَّى موسى مُدْبِراً ولم يعقب، وكان موضع ذلك أن يقول: حديثٌ أَوَّلُه تسليطُ ثعبان! مَنْ ذا يُطِيقُ أوَّلَه؟!.
فقيل له: لا تَخَفْ يا موسى؛ إن الذي يَقْدِرُ أَنْ يَقْلِبَ العصا حيةً أن يَخْلُقَ لك منها السلامة: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الأَمِنِينَ}: ليس المقصودُ مِنْ هذا أنت، إنما أثبت هذا لأسلطَه على عدوِّك، فهذه معجزتُك إلى قومك، وآيتُك على عودِّك.
ويقال: شتان بين نبيِّنا- صلى الله عليه وسلم- وبين موسى عليه السلام؛ رجع من سماع الخطاب وأتي بثعبان سَلّطَه على عدوِّه، ونبينا- صلى الله عليه وسلم- رجع بعد ما أُسْرِيَ به إلى السماء، وأوحى إليه ما أوحى- لِيُوَافِيَ أُمَّتَه بالصلاة التي هي المناجاة، وقيل له: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين».


قيل له: اسلُكْ يَدَكَ في جيبك، لأنَّ المدرعةَ التي كانت عليه لم يكن لها كُم. وفي هذا إِشارة إلى أنه ينبغي على المرء للوصول إلى مراده ومقصوده أن يتشمَّر، وأن يجِدَّ، وأن يُخْرجَ يَدَه من كُمِّه. وأنه قال لموسى: أدْخِلْ يَدَكَ في جيبك تخرج بيضاءَ، وألق عصاكَ نجعلْها ثعباناً، بلا ضَرْبِكَ بها، وبلا استعمالِك لها يا موسى: الأمرُ بِنَا لا بِكَ، وأنا لا أنت.
{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ}: يا موسى، في وصف خضوعك تَجِدني، وبتبرِّيكَ عن حَوْلِكَ وَقُوَّتِك تَصِل إليَّ.


تَعلَّلَ بكلِّ وجهٍ رَجَاءَ أن يُعَافَى من مشقةِ التبليغ ومقاساةِ البلاءِ؛ لأنه عَلِمَ أنَّ النبوةَ فيها مَشَقّةٌ، فلم يَجِدْ الرُّخصةَ والإعفاءَ مِمَّا كُلِّفَ، وأجاب سُؤْلَه في أخيه حيث سأله أنْ يجعلَ له رِدْءاً، وضمن لهما النصرة.
ثم إنهما لَمَّا أتَيَا فرعونَ قابلهما بالتكذيب والجحد، ورماهما بالخطأ والكذب والسحر، وجاوباه بالحجة، ودَعَوَاه إِلى سَوَاءِ المحجَّة، فأَبَى إِلاَّ الْجَحْدَ.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12